الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
وقوله: (1) ذكر المؤلف رحمه الله ثبوت استواء الله على عرشه وأنه في سبعة مواضع في القرآن: الموضع الأول: قوله في سورة الأعراف: {الله} خبر {إن}. * وأول هذه الأيام يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة. منها أربعة أيام للأرض، ويومان للسماء، كما فصل الله ذلك في سورة فصلت:
{قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين (9) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} * وقوله: * و {العرش}: هو ذلك السقف المحيط بالمخلوقات، ولا نعلم مادة هذا العرش، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يبين من أين خلق هذا العرش، لكننا نعلم أنه أكبر المخلوقات التي نعرفها. وأصل العرش في اللغة: السرير الذي يختص به الملك، ومعلوم أن السرير الذي يختص به الملك سيكون سريراً عظيماً فخماً لا نظير له. وفي هذه الآية من صفات الله تعالى عدة صفات، لكن المؤلف ساقها لإثبات صفة واحدة، وهي الاستواء على العرش. * وأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الله تعالى مستوى على عرشه استواء يليق بجلاله ولا يماثل استواء المخلوقين. فإن سألت: ما معنى الاستواء عندهم؟ فمعناه العلو والاستقرار. وقد ورد عن السلف في تفسيره أربعة معاني: الأول: علا، والثاني: ارتفع، والثالث: صعد. والرابع: استقر. لكن "علا" و "ارتفع" و "صعد" معناها واحد، وأما "استقر"، فهو يختلف عنها. ودليلهم في ذلك: أنها في جميع مواردها في اللغة العربية لم تأت إلا لهذا المعنى إذا كانت متعدية بـ(على): قال الله تعالى: وقال تعالى: * وفسره أهل التعطيل بأن المراد به الاستيلاء، وقالوا: معنى: واستدلوا لتحريفهم هذا بدليل موجب وبدليل سالب: - أما الدليل الموجب، فقالوا: إننا نستدل بقول الشاعر: (بشر): ابن مروان، (استوى)، يعني: استولى على العراق. قالوا: وهذا بيت بن رجل عربي، ولا يمكن أن يكون المراد به استوى على العراق، يعني علا على العراق! لا سيما أنه في ذلك الوقت لا طائرات يمكن أن يعلو على العراق بها. أما الدليل السلبي، فقالوا لو أثبتنا أن الله عز وجل مستو على عرشه بالمعنى الذي تقولون، وهو العلو والاستقرار، لزم من ذلك أن يكون محتاجاً إلى العرش، وهذا مستحيل، واستحالة اللازم تدل على إستحالة الملزوم. ولزم من ذلك أن يكون جسماً، لأن استواء شيء على شيء بمعنى علوه عليه يعني أنه جسم. ولزم أن يكون محدوداً، لأن المستوي على الشيء يكون محدودا، وإذا استويت على البعير، فأنت محدود في منطقة معينة محصور بها وعلى محدود أيضاً. هذه الأشياء الثلاثة التي زعموا أنها تلزم من إثبات أن الاستواء بمعنى العلو والارتفاع. * والرد عليهم من وجوه: أولاً: تفسيركم هذا مخالف لتفسير السلف الذي أجمعوا عليه، والدليل على إجماعهم أنه لم ينقل عنهم أنهم قالوا به وخالفوا الظاهر، ولو كانوا يرون خلاف ظاهره، لنقل إلينا، فما منهم أحد قال: إن (استوى) بمعنى (استولى) أبداً. ثانياً: أنه مخالف لظاهر اللفظ، لأن مادة الاستواء إذا تعدت بـ(على)، فهي بمعنى العلو والاستقرار، هذا ظاهر اللفظ، وهذه مواردها في القرآن وفي كلام العرب. ثالثاً: أنه يلزم عليه لوازم باطلة: 1- يلزم أن يكون الله عز وجل حين خلق السماوات والأرض ليس مستولياً على عرشه، لأن الله يقول: 2- أن الغالب من كلمة (استولى) أنها لا تكون إلا بعد مغالبة! ولا أحد يغالب الله.
أن المفر والإله الطالب ** والأشرم المغلوب ليس الغال 3- من اللوازم الباطلة أنه يصح أن نقول: إن الله استوى على الأرض والشجر والجبال، لأنه مسئول عليها. وهذه لوازم باطلة، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم. وأما استدلالهم بالبيت، فنقول: 1- أثبتوا لنا سند هذا البيت وثقة رجاله، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلاً. 2- من هذا القائل؟ أفلا يمكن أن يكون قاله بعد تغير اللسان؟ لأنه كل قول يستدل به على اللغة العربية بعد تغير اللغة العربية فإنه ليس بدليل، لأن العربية بدأت تتغير حين اتسعت الفتوح ودخل العجم مع العرب فاختلف اللسان، وهذا فيه احتمال أنه بعد تغير اللسان. 3- أن تفسيركم "استوى بشر على العراق" بـ(استولى) تفسير تعضده القرينة، لأنه من المعتذر أن بشراً يسعد فوق العراق فيستوي عليه كما يستوي على السرير أو على ظهر الدابة فلهذا نلجأ إلى تفسيره بـ(استولى). هذا نقوله من باب التنزل، وإلا، فعندنا في هذا جواب آخر: أن نقول: الاستواء في البيت بمعنى العلو، لأن العلو نوعان: 1- علو حسي، كاستوائنا على السرير. 32- وعلو معنوي، بمعنى السيطرة والغلبة. فيكون معنى "استوى بشر على العراق" يعني: علا علو غلبة وقهر. وأما قولكم: إنه يلزم من تفسير الاستواء بالعلو أن يكون الله جسماً. فجوابه: كل شيء يلزم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهوحق، ويجب علينا أن نلتزم به، ولكن الشأن كل الشأن أن يكون هذا من لازم كلام الله ورسوله، لأنه قد يمنع أن يكون لازماً، فإذا ثبت أنه لازم، فليكن، ولا حرج علينا إذا قلنا به. ثم نقول: ماذا تعنون بالجسم الممتنع؟ إن أردتم به أنه ليس لله ذات تتصف بالصفات اللازمة لها اللائقة بها، فقولكم باطل، لأن لله ذاتاً حقيقية متصفة بالصفات، وأن له وجهاً ويداً وعيناً وقدماً، وقولوا ما شئتم من اللوازم التي هي لازم حق. وأن أردتم بالجسم الذي قلتم يمتنع أن يكون الله جسماً: الجسم المركب من العظام واللحم والدم وما أشبه ذلك، فهذا ممتنع على الله، وليس بلازم من القول بأن استواء الله على العرش علوه عليه. وأما قولهم: إنه يلزم أن يكون محدوداً. فجوابه أن نقول بالتفصيل: ماذا تعنون بالحد؟ إن أردتم أن يكون محدوداً، أي: يكون مبايناً للخلق منفصلاً عنهم، كما تكون أرض لزيد وأرض لعمر، فهذه محدودة منفصلة عن هذه، فهذا حق ليس فيه شيء من النقص. وإن أردتم بكونه محدوداً: أن العرش محيط به، فهذا باطل، وليس بلازم، فإن الله تعالى مستوى على العرش، وإن كان عز وجل أكبر من العرش ومن غير العرش، ولا يلزم أن يكون العرش محيطاً به بل لا يمكن أن يكون محيطاً به، لأن الله سبحانه وتعالى أعظم من كل شيء وأكبر من كل شيء والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه. وأما قولهم: يلزم أن يكون محتاجاً إلى العرش. فنقول: لا يلزم، لأن معنى كونه مستوياً على العرش: أنه فوق العرش، لكنه علو خالص، وليس معناه أن العرش يقله أبداً، فالعرش لا يقله، والسماء لا تقله، وهذا اللازم الذي ادعيتموه ممتنع، لأنه نقص بالنسبة إلى الله عز وجل، وليس بلازم من الاستواء الحقيقي، لأننا لسنا نقول: إن معنى * وخلاصة ردنا لكالمهم من عدة أوجه: الأول: أن قولهم هذا مخالف لظاهر النص. ثانياً: مخالف لإجماع الصحابة وإجماع السلف قاطبة. ثالثاً: أنه لم يرد في اللغة العربية أن (استوى) بمعنى (استولى)، والبيت الذي احتجوا به على ذلك لا يتم به الاستدلال. رابعاً: أنه يلزم عليه لوازم باطلة منها: 1- أن يكون العرش قبل خلق السماوات والأرض، ملكاً لغير الله. 2- أن كلمة (استولى) تعطي في الغالب أن هناك مغالبة بين الله وبين غيره، فاستولى عليه وغلبه. 3- أنه يصح أن نقول ـ على زعمكم ـ: أن الله استوى على الأرض والشجر والجبال والإنسان والبعير، لأنه (استولى) على هذه الأشياء، فإذا صح أن نطلق كلمة (استولى) على شيء، صح أن نطلق كلمة (استولى) على شيء، صح أن نطلق (استوى) على ذلك الشيء، لأنهما مترادفان على زعمكم. فبهذه الأوجه يتبين أن تفسيرهم باطل. * ولما كان أبو المعالي الجويني ـ عفا الله عنه ـ يقرر مذهب الأشاعرة، وينكر استواء الله على العرش، بل وينكر علو الله بذاته، قال: "كان الله تعالى ولم يكن شيء غيره، وهو الآن على ما كان عليه". وهو يريد أن ينكر استواء الله على العرش، يعني: كان ولا عرش، وهو الآن على ما كان عليه، إذاً: لم يستو على العرش. فقال له أبو العلاء الهمذاتي: يا أستاذ! دعنا من ذكر العرش والاستواء على العرش ـ يعني: لأن دليله سمعي، ولولا أن الله أخبرنا به ما علمناه ـ أخبرنا عن هذه الضرورة التي تجد في نفوسنا: ما قال عارف قط: يا الله! إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو. فبهت أبو المعالي، وجعل يضرب على رأسه: حيرني الهمذاني، حيرني الهمذاتي!وذلك لأن هذا دليل فطري لا أحد ينكره. وقال في سورة يونس عليه السلام: (1) الموضع الثاني: في سورة يونس، قال الله تعالى: نقول فيها ما قلنا في الآية الأولى. (2) الموضع الثالث: في سورة الرعد قال الله تعالى: · فيه خلاف بين المفسرين، فمنهم من قال: إن جملة {ترونها} صفة لـ{عمد}، أي: بغير عمد مرئية لكم، ولها عمد غير مرئية. ومنهم من قال: إن جملة {ترونها} جملة مستأنفة، معناها: ترونها كذلك بغير عمد. وهذا الأخير أقرب، فإن السماوات ليس لها عمد مرئية ولا غير مرئية، ولو كان لها عمد، لكانت مرئية في الغالب، وإن كان الله تعالى قد يحجب عنا بعض المخلوقات الجسيمة لحكمة يريدها. * وقوله: (1) الموضع الرابع: في سورة طه قال: * قدم * وفي ذكر "الرحمن" إشارة إلى أنه مع علوه وعظمته موصوف بالرحمة. (2) الموضع الخامس: في سورة الفرقان قوله: * {الرحمن}: فاعل {استوى}. وقال في سورة آلم السجدة : (1) الموضع السادس : في سورة آلم السجدة قال: نقول فيها مثل ماقلنا في آيتي الأعراف ويونس ، لكن هنا فيه زيادة: (2)الموضع السابع: في سورة الحديد قال: فهذه سبعة مواضع؛ كلها يذكر الله تعالى فيها الإستواء معدى بـ "على" . وبعد؛ فقد قال العلماء : إن أصل هذه المادة (س و ي) تدل على الكمال ثم هي على أربعة أوجه في اللغة العربية: معداة بـ"إلى" ، ومعداة بـ "على" ، ومقرونة بالواو ، ومجردة: -فالمعداة بـ "على" مثل: علا واستقر والمعداة بـ " إلى " : مثل قوله تعالى: [البقرة : 29] . فهل معناها كالأولى المعداة بـ"على" ؟ فيها خلاف بين المفسرين: منهم من قال : إن معناها واحد ، وهذا ظاهر تفسير ابن جرير رحمه الله ؛ فمعنى ومنهم من قال: بل الاستواء هنا بمعنى القصد الكامل ؛ فمعنى: استوى إليها؛ أي: قصد إليها قصداً كاملاً ، وأيدوا تفسيرهم هذا بأنها عديت بما يدل على هذا المعنى ، وهو "إلى" ، وإلى هذا ذهب ابن كثير رحمه الله ؛ ففسر قوله: والمقرونة بالواو ؛ كقولهم : استوى الماء والخشبة ؛ بمعنى : تساوى الماء والخشبة. والمجردة ؛ كقوله تعالى : تنبيه: إذا قلنا: استوى على العرش ؛ بمعنى : علا ؛ فها هنا سؤال ، وهو: إن الله خلق السماوات ، ثم استوى على العرش؛ فهل يستلزم أنه قبل ذلك ليس عالياً؟
فالجواب: لا يستلزم ذلك؛ لأن الاستواء على العرش أخص من مطلق العلو ؛ لأن الاستواء على العرش علو خاص به، والعلو شامل على جميع المخلوقات ؛ فعلوه عز وجل ثابت له أزلاً وابداً ، لم يزل عالياً على كل شيء قبل أن يخلق العرش ، ولا يلزم من عدم استوائه على العرش عدم علوه، بل هو عال ، ثم بعد خلق السماوات والأرض علا علواً خاصاً على العرش. فإن قلت: نفهم من الآية الكريمة أنه حين خلق السماوات والأرض علا علواً خاصاً على العرش . فإن قلت: نفهم من الآية الكريمة أنه حين خلق السماوات والأرض ليس مستوياً على العرش ، لكن قبل خلق السماوات والأرض ، هل هو مستو على العرش أولاً؟ فالجواب: الله أعلم بذلك. فإن قلت: هل استواء الله تعالى على عرشه من الصفات الفعلية أو الذاتية؟ فالجواب: أنه من الصفات الفعلية ؛ لأنه يتعلق بمشيئته ، وكل صفة تتعلق بمشيئته ؛ فهي من الصفات الفعلية.
|